الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِوَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الشُّكْرُ الْكَامِلُ وَالْحَمْدُ التَّامُّ كُلُّهُ لِلْمَعْبُودِ الَّذِي هُوَ مَالِكُ جَمِيعِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا فِي الْأَرَضِينَ السَّبْعِ دُونَ كُلِّ مَا يَعْبُدُونَهُ، وَدُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ لَا مَالِكَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُهُ، فَالْمَعْنَى: الَّذِي هُوَ مَالِكُ جَمِيعِهِ (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) يَقُولُ: وَلَهُ الشُّكْرُ الْكَامِلُ فِي الْآخِرَةِ كَالَّذِي هُوَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا الْعَاجِلَةِ؛ لِأَنَّ مِنْهُ النِّعَمَ كُلَّهَا عَلَى كُلِّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الدُّنْيَا، وَمِنْهُ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الْآخِرَةِ لِأَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا مِنْ قِبَلِهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ وَصَرْفِهِ إِيَّاهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ، خَبِيرٌ بِهِمْ وَبِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَبِمَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ، مُحِيطٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ، خَبِيرٌ بِخَلْقِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَاوَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْلَمُ مَا يَدْخُلُ الْأَرْضَ وَمَا يَغِيبُ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ. مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَجْتُ فِي كَذَا: إِذَا دَخَلْتُ فِيهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: رَأَيْـتُ الْقَـوَافِيَ يَتَّلِجْـنَ مَوَالِجًـا *** تَضَـايَقُ عَنْهَـا أَنْ تَوَلَّجَهَـا الْإِبَـرْ يَعْنِي بِقَوْلِهِ (يَتَّلِجْنَ مَوَالِجًا): يَدْخُلْنَ مَدَاخِلَ (وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) يَقُولُ: وَمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ {وَمَا يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} يَعْنِي: وَمَا يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ، وَذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ الْعَالِمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِمَّا ظَهَرَ فِيهَا وَمَا بَطَنَ، وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ، وَهُوَ الرَّحِيمُ بِأَهْلِ التَّوْبَةِ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ، الْغَفُورُ لِذُنُوبِهِمْ إِذَا تَابُوا مِنْهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍفِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَسْتَعْجِلُكَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ جَحَدُوا قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِهِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ بِهَيْئَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا بِهَا مِنْ قَبْلِ فَنَائِهِمْ مِنْ قَوْمِكَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ؛ اسْتِهْزَاءً بِوَعْدِكَ إِيَّاهُمْ وَتَكْذِيبًا لِخَبَرِكَ، قُلْ لَهُمْ: بَلَى تَأْتِيكُمْ وَرَبِّي، قَسَمًا بِهِ لَتَأْتِيَنَّكُمُ السَّاعَةُ، ثُمَّ عَادَ جَلَّ جَلَالُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ السَّاعَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَتَمْجِيدِهَا فَقَالَ (عَالِمِ الْغَيْبِ). وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ؛ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ (عَالِمُ الْغَيْبِ) عَلَى مِثَالِ فَاعِلٍ، بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ؛ إِذْ دَخَلَ بَيْنَ قَوْلِهِ (وَرَبِّي) وَبَيْنَ قَوْلِهِ (عَالِمِ الْغَيْبِ) كَلَامٌ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، (عَالِمِ) عَلَى مِثَالِ فَاعِلٍ غَيْرَ أَنَّهُمْ خَفَضُوا (عَالِمِ) رَدًّا مِنْهُمْ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ (وَرَبِّي) إِذْ كَانَ مِنْ صِفَتِهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَقِيَّةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (عَلَّامِ الْغَيْبِ) عَلَى مِثَالِ فَعَّالٍ، وَبِالْخَفْضِ رَدًّا لِإِعْرَابِهِ عَلَى إِعْرَابِ قَوْلِهِ (وَرَبِّي) إِذْ كَانَ مِنْ نَعْتِهِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ قِرَاءَاتٌ مَشْهُورَاتٌ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، فَبِأَيَّتِهِنَّ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا (عَلَّامِ الْغَيْبِ) عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا عَنْ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَأَمَّا اخْتِيَارُ عَلَّامٍ عَلَى عَالَمٍ فَلِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْمَدْحِ. وَأَمَّا الْخَفْضُ فِيهَا فَلِأَنَّهَا مِنْ نَعْتِ الرَّبِّ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ، وَعَنَى بِقَوْلِهِ (عَلَّامِ الْغَيْبِ) عَلَّامِ مَا يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ، إِمَّا مَا لَمْ يُكَوِّنْهُ مِمَّا سَيُكَوِّنُهُ أَوْ مَا قَدْ كَوَّنَهُ فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفْسَهُ بِعِلْمِهِ الْغَيْبَ إِعْلَامًا مِنْهُ خَلْقَهُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ جَائِيَةً فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِلَّذِينِ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ: بَلَى وَرَبِّكُمْ لَتَأْتِيَنَّكُمُ السَّاعَةُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا أَحَدٌ سِوَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ. يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ) لَا يَغِيبُ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ) يَقُولُ: لَا يَغِيبُ عَنْهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ) قَالَ: لَا يَغِيبُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} أَيْ: لَا يَغِيبُ عَنْهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ (مِثْقَالُ ذَرَّةٍ) يَعْنِي: زِنَةَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ زِنَةِ ذَرَّةٍ فَمَا فَوْقَهَا فَمَا دَونَهَا، أَيْنَ كَانَ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ (وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ) يَقُولُ: وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ أَصْغَرُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ (وَلَا أَكْبَرُ) مِنْهُ (إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) يَقُولُ: هُوَ مُثْبَتٌ فِي كِتَابٍ يُبَيِّنُ لِلنَّاظِرِ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَثْبَتَهُ وَأَحْصَاهُ وَعَلِمَهُ فَلَمْ يَعْزُبْ عَنْ عِلْمِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ كَيْ يُثِيبَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ عَلَى طَاعَتِهِمْ رَبَّهُمْ (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ لِذُنُوبِهِمْ (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) يَقُولُ: وَعَيْشٌ هَنِيءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لِذُنُوبِهِمْ (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فِي الْجَنَّةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ لِيَجْزِيَ الْمُؤْمِنِينَ مَا وَصَفَ وَلِيَجْزِيَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ، يَقُولُ: وَكَيْ يُثِيبَ الَّذِينَ عَمِلُوا فِي إِبْطَالِ أَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا مُعَاوِنِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَسْبِقُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ) يَقُولُ: هَؤُلَاءِ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ شَدِيدِ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَيَعْنِي بِالْأَلِيمِ: الْمُوجِعَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} أَيْ: لَا يُعْجِزُونَ {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} قَالَ: الرِّجْزُ: سُوءُ الْعَذَابِ، الْأَلِيمُ الْمُوجِعُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} قَالَ: جَاهِدِينَ لِيَهْبِطُوهَا أَوْ يُبْطِلُوهَا، قَالَ: وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَقَرَأَ {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مَا قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ، وَلِيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، فَيَرَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: يَجْزِيَ فِي قَوْلِهِ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) وَعَنَى بِالَّذِينِ أُوتُوا الْعِلْمَ مُسْلِمَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَنُظَرَائِهِ الَّذِينَ قَدْ قَرَءُوا كُتُبَ اللَّهِ الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْفُرْقَانِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِيَرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بِكِتَابِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ التَّوْرَاةُ الْكِتَابَ الَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ. وَقِيلَ: عَنَى بِالَّذِينِ أُوتُوا الْعِلْمَ: أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} قَالَ: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ (وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) يَقُولُ: وَيُرْشِدُ مَنِ اتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ الْعَزِيزِ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ الْحَمِيدِ عِنْدَ خَلْقِهِ، فَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ وَنِعَمَهُ لَدَيْهِمْ. وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ يَهْدِي إِلَى الْإِسْلَامِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَجِّبِينَ مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهُمُ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ (هَلْ نَدُلُّكُمْ) أَيُّهَا النَّاسُ {عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يَقُولُ: يُخْبِرُكُمْ أَنَّكُمْ بَعْدَ تَقَطُّعِكُمْ فِي الْأَرْضِ بَلَاءً وَبَعْدَ مَصِيرِكُمْ فِي التُّرَابِ رُفَاتًا، عَائِدُونَ كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ الْمَمَاتِ خَلْقًا جَدِيدًا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} قَالَ ذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ وَالْمُشْرِكُونَ مِنَ النَّاسِ (يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) إِذَا أَكَلَتْكُمُ الْأَرْضُ وَصِرْتُمْ رُفَاتًا وَعِظَامًا وَقَطَّعَتْكُمُ السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) سَتَحْيَوْنَ وَتُبْعَثُونَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ...) إِلَى (خَلْقٍ جَدِيدٍ) قَالَ: يَقُولُ: (إِذَا مُزِّقْتُمْ) وَإِذَا بَلِيتُمْ وَكُنْتُمْ عِظَامًا وَتُرَابًا وَرُفَاتًا، ذَلِكَ (كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) قَالَ: يُنَبِّئُكُمْ أَنَّكُمْ فَكَسَرَ إِنَّ وَلَمْ يُعْمِلْ يُنَبِّئُكُمْ فِيهَا وَلَكِنِ ابْتَدَأَ بِهَا ابْتِدَاءً، لِأَنَّ النَّبَأَ خَبَرٌ وَقَوْلٌ، فَالْكَسْرُ فِي إِنَّ لِمَعْنَى الْحِكَايَةِ فِي قَوْلِهِ (يُنَبِّئُكُمْ) دُونَ لَفْظِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: يَقُولُ لَكُمْ (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مُعْجَبِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَعْدِهِ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ: أَفْتَرَى هَذَا الَّذِي يَعِدُنَا أَنَّا بَعْدَ أَنْ نُمَزَّقَ كُلَّ مُمَزَّقٍ فِي خَلْقٍ جَدِيدٍ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، فَتَخَلَّقَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَاطِلًا مِنَ الْقَوْلِ وَتَخَرَّصَ عَلَيْهِ قَوْلَ الزُّورِ (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) يَقُولُ: أَمْ هُوَ مَجْنُونٌ فَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالُوا تَكْذِيبًا (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) قَالَ: قَالُوا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا (بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ...) الْآيَةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) الرَّجُلُ مَجْنُونٌ فَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يُعْقَلُ فَقَالَ اللَّهُ {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ}. وَقَوْلُهُ {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا الْأَمْرُ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَنُّوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، أَوْ أَنَّ بِهِ جِنَّةً، لَكِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الذَّهَابِ الْبَعِيدِ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَقَصْدِ السَّبِيلِ فَهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَقُولُونَ فِيهِ مَا يَقُولُونَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قَالَ اللَّهُ {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُمْ لِيَعْتَبِرُوا وَقَرَأَ (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ...) الْآيَةَ كُلَّهَا وَقَرَأَ (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ). وَقُطِعَتِ الْأَلِفُ مِنْ قَوْلِهِ (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ) فِي الْقَطْعِ وَالْوَصْلِ، فَفُتِحَتْ لِأَنَّهَا أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ. فَأَمَّا الْأَلِفُ الَّتِي بَعْدَهَا الَّتِي هِيَ أَلِفُ افْتَعَلَ فَإِنَّهَا ذَهَبَتْ لِأَنَّهَا خَفِيفَةٌ زَائِدَةٌ تَسْقُطُ فِي اتِّصَالِ الْكَلَامِ، وَنَظِيرُهَا (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) وَ(بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) وَ(أَصْطَفَى الْبَنَاتِ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا أَلِفُ (آلآنَ) وَ(آلذَّكَرَيْنِ) فَطُوِّلَتْ هَذِهِ، وَلَمْ تُطَوَّلْ تِلْكَ لِأَنَّ آلآنَ وَآلذَّكَرَيْنِ كَانَتْ مَفْتُوحَةً فَلَوْ أُسْقِطَتْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ فَرْقٌ فَجُعِلَ التَّطْوِيلُ فِيهَا فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ، وَأَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ مَفْتُوحَةٌ فَكَانَتَا مُفْتَرِقَتَيْنِ بِذَلِكَ فَأَغْنَى ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى الْفَرْقِ مِنَ التَّطْوِيلِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَمْ يَنْظُرْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْمَعَادِ الْجَاحِدُونَ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ الْقَائِلُونَ لِرَسُولِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا فَإِنَّ أَرْضِي وَسَمَائِي مُحِيطَةٌ بِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ؛ فَيَرْتَدِعُوا عَنْ جَهْلِهِمْ وَيَنْـزَجِرُوا عَنْ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِنَا حَذَرًا أَنْ نَأْمُرَ الْأَرْضَ فَتُخْسَفَ بِهِمْ أَوِ السَّمَاءَ فَتُسْقِطُ عَلَيْهِمْ قِطَعًا، فَإِنَّا إِنْ نَشَأَ نَفْعَلْ ذَلِكَ بِهِمْ فَعَلْنَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} قَالَ: يَنْظُرُونَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ كَيْفَ السَّمَاءُ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ} كَمَا خَسَفْنَا بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} أَيْ: قِطَعًا مِنَ السَّمَاءِ. وَقَوْلُهُ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي إِحَاطَةِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِعِبَادِ اللَّهِ لَآيَةٌ: يَقُولُ: لَدَلَالَةٌ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ: يَقُولُ لِكُلِّ عَبْدٍ أَنَابَ إِلَى رَبِّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَرَجَعَ إِلَى مَعْرِفَةِ تَوْحِيدِهِ وَالْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَالِاعْتِرَافِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَالْإِذْعَانِ لِطَاعَتِهِ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ أَرَادَ فِعْلَهُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ شَاءَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) وَالْمُنِيبُ: الْمُقْبِلُ التَّائِبُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَعْطَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا وَقُلْنَا لِلْجِبَالِ (أَوِّبِي مَعَهُ): سَبِّحِي مَعَهُ إِذَا سَبَّحَ. وَالتَّأْوِيبُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الرُّجُوعُ وَمَبِيتُ الرَّجُلِ فِي مَنْـزِلِهِ وَأَهْلِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: يَوْمَـانِ يَـومُ مَقَامَـاتٍ وَأَنْدِيَـةٍ *** وَيَـوْمُ سَـيْرٍ إِلَـى الْأَعْـدَاءِ تَـأْوِيبِ أَيْ رُجُوعٍ وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهُ (أُوبِي مَعَهُ) مِنْ آبَ يَئُوبُ، بِمَعْنَى تَصَرَّفِي مَعَهُ، وَتِلْكَ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَةَ الْحُجَّةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ ثني مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ قَالَ ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَوِّبِي مَعَهُ) قَالَ: سَبِّحِي مَعَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ثني أَبِي قَالَ ثني عَمِّي قَالَ ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) يَقُولُ: سَبِّحِي مَعَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَلَائِيُّ قَالَ ثنا مِسْعَرٌ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) يَقُولُ: سَبِّحِي. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ثنا حَكَّامٌ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قَالَ: سَبِّحِي بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ: ثنا فُضَيْلٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قَالَ: سَبِّحِي مَعَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قَالَ: سَبِّحِي. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) أَيْ: سَبِّحِي مَعَهُ إِذَا سَبَّحَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قَالَ: سَبِّحِي مَعَهُ، قَالَ: وَالطَّيْرُ أَيْضًا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) قَالَ: سَبِّحِي. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) سَبِّحِي مَعَهُ. وَقَوْلُهُ (وَالطَّيْرَ) وَفِي نَصْبِ الطَّيْرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ أَنَّ الطَّيْرَ نُودِيَتْ كَمَا نُودِيَتِ الْجِبَالُ فَتَكُونُ مَنْصُوبَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَرْفُوعٍ بِمَا لَا يَحْسُنُ إِعَادَةُ رَافِعِهِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَالْمَصْدَرِ عَنْ جِهَتِهِ، وَالْآخَرُ: فِعْلُ ضَمِيرٍ مَتْرُوكٍ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَقُلْنَا يَا جِبَالُ أُوِّبِي مَعَهُ وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ. وَإِنْ رُفِعَ رَدًّا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ: سَبِّحِي مِنْ ذِكْرِ الْجِبَالِ كَانَ جَائِزًا، وَقَدْ يَجُوزُ رَفْعُ الطَّيْرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجِبَالِ، وَإِنْ لَمْ يَحْسُنْ نِدَاؤُهَا بِالَّذِي نُودِيَتْ بِهِ الْجِبَالُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا يَـا عَمْـرُو والضَّحَّـاكَ سِـيرَا *** فَقَـدْ جَاوَزْتُمَـا خَـمَرَ الطَّـرِيقِ وَقَوْلُهُ (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ذُكِرَ أَنَّ الْحَدِيدَ كَانَ فِي يَدِهِ كَالطِّينِ الْمَبْلُولِ يَصْرِفُهُ فِي يَدِهِ كَيْفَ يَشَاءُ بِغَيْرِ إِدْخَالِ نَارٍ وَلَا ضَرْبٍ بِحَدِيدٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِيدَ بِغَيْرِ نَارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا ابْنُ عَثْمَةَ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) كَانَ يُسَوِّيهَا بِيَدِهِ وَلَا يُدْخِلُهَا نَارًا وَلَا يَضْرِبُهَا بِحَدِيدَةٍ. وَقَوْلُهُ (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) يَقُولُ: وَعَهِدْنَا إِلَيْهِ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ: وَهِيَ التَّوَامُّ الْكَوَامِلُ مِنَ الدُّرُوعِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) دُرُوعٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَهَا دَاوُدُ، إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ صَفَائِحُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) قَالَ: السَّابِغَاتُ دُرُوعُ الْحَدِيدِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّرْدِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: السَّرْدُ هُوَ مِسْمَارُ حِلَقِ الدِّرْعِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قَالَ: كَانَ يَجْعَلُهَا بِغَيْرِ نَارٍ، وَلَا يَقْرَعُهَا بِحَدِيدٍ، ثُمَّ يَسْرُدُهَا. وَالسَّرْدُ: الْمَسَامِيرُ الَّتِي فِي الْحِلَقِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْحِلَقُ بِعَيْنِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قَالَ: السَّرْدُ حِلَقُهُ، أَيْ: قَدِّرْ تِلْكَ الْحِلَقَ، قَالَ: وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَجَادَ الْمُسَدِّيُّ سَرْدَهَا وَأَذَالَهَا *** قَالَ: يَقُولُ وَسَّعَهَا وَأَجَادَ حِلَقَهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ثني أَبِي قَالَ ثني عَمِّي قَالَ ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) يَعْنِي بِالسَّرْدِ: ثَقْبَ الدُّرُوعَ فَيَسُدُّ قَتِيرَهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: يُقَالُ دِرْعٌ مَسْرُودَةٌ إِذَا كَانَتْ مَسْمُورَةَ الْحِلَقِ، وَاسْتَشْهَدَ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَعَلَيْهِمَـا مَسْـرُودَتَانِ قَضَاهُمَـا *** دَاوُدُ أَوْ صَنَـعُ السَّـوَابِغِ تُبَّـعُ وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ لِدَاوُدَ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلُ صَفَائِحُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ ثنا أَبِي قَالَ ثنا خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ قَتَادَةَ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قَالَ: كَانَتْ صَفَائِحُ فَأُمِرَ أَنْ يَسْرُدَهَا حِلَقًا، وَعَنَى بِقَوْلِهِ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ): وَقَدِّرِ الْمَسَامِيرَ فِي حِلَقِ الدُّرُوعِ حَتَّى يَكُونَ بِمِقْدَارٍ، لَا تُغْلِظِ الْمِسْمَارَ، وَتُضَيِّقِ الْحَلْقَةَ فَتَفْصِمَ الْحَلْقَةُ، وَلَا تُوَسِّعِ الْحَلْقَةَ وَتُصَغِّرِ الْمَسَامِيرَ وَتُدقَّهَا فَتَسْلَسَ فِي الْحَلْقَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قَالَ: قَدِّرِ الْمَسَامِيرَ وَالْحِلَقَ؛ لَا تَدُقَّ الْمَسَامِيرَ فَتَسْلَسَ وَلَا تُجْلِهَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ الْحَارِثُ: فَتَفْصِمَ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ ثنا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قَالَ: لَا تُصَغِّرِ الْمِسْمَارَ وَتُعَظِّمِ الْحَلْقَةَ فَتَسْلَسَ، وَلَا تُعَظِّمِ الْمِسْمَارَ وَتُصَغِّرِ الْحَلْقَةَ فَيَفْصِمَ الْمِسْمَارُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ ثنا أَبِي عَنِ الْحَكَمِ فِي قَوْلِهِ (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قَالَ: لَا تُغْلِظِ الْمِسْمَارَ فَيَفْصِمَ الْحَلْقَةَ وَلَا تَدُقَّهُ فَيَقْلَقُ. وَقَوْلُهُ (وَاعْمَلُوا صَالِحًا) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاعْمَلْ يَا دَاوُدُ أَنْتَ وَآلُكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنِّي بِمَا تَعْمَلُ أَنْتَ وَأَتْبَاعُكَ ذُو بَصَرٍ لَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنَا مُجَازِيكَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِوَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}. اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ) فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ) بِنَصْبِ الرِّيحِ، بِمَعْنَى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِمٌ: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ) رَفْعًا بِحَرْفِ الصِّفَةِ إِذْ لَمْ يَظْهَرِ النَّاصِبُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا النَّصْبُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (غُدُوُّهَا شَهْرٌ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ، غُدُوُّهَا إِلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَرَوَاحُهَا مِنِ انْتِصَافِ النَّهَارِ إِلَى اللَّيْلِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} قَالَ: تَغْدُو مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَتَرُوحُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، قَالَ: مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ فِي يَوْمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ثنا سَلَمَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ مَنْـزِلًا بِنَاحِيَةِ دِجْلَةَ مَكْتُوبٌ فِيهِ كِتَابٌ كَتَبَهُ بَعْضُ صَحَابَةِ سُلَيْمَانَ؛ إِمَّا مِنَ الْجِنِّ وَإِمَّا مِنَ الْإِنْسِ: نَحْنُ نَـزَلْنَاهُ وَمَا بَنَيْنَاهُ، وَمَبْنِيًّا وَجَدْنَاهُ، غَدَوْنَا مِنْ إِصْطَخْرَ فَقِلْنَاهُ، وَنَحْنُ رَائِحُونَ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَبَائِتُونَ بِالشَّامِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} قَالَ: كَانَ لَهُ مَرْكَبٌ مِنْ خَشَبٍ، وَكَانَ فِيهِ أَلْفُ رُكْنٍ، فِي كُلِّ رُكْنٍ أَلْفُ بَيْتٍ تَرْكَبُ فِيهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، تَحْتَ كُلِّ رُكْنٍ أَلْفُ شَيْطَانٍ، يَرْفَعُونَ ذَلِكَ الْمَرْكَبَ هُمْ وَالْعِصَارُ، فَإِذَا ارْتَفَعَ أَتَتِ الرِّيحُ رُخَاءً فَسَارَتْ بِهِ وَسَارُوا مَعَهُ، يَقِيلُ عِنْدَ قَوْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَهْرٌ، وَيُمْسِي عِنْدَ قَوْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَهْرٌ، وَلَا يَدْرِي الْقَوْمُ إِلَّا وَقَدْ أَظَلَّهُمْ مَعَهُ الْجُيُوشُ وَالْجُنُودُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ثنا أَبُو عَامِرٍ قَالَ ثنا قُرَّةُ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ (غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) قَالَ: كَانَ يَغْدُو فَيَقِيلُ فِي إِصْطَخْرَ، ثُمَّ يَرُوحُ مِنْهَا فَيَكُونُ رَوَاحُهَا بِكَابِلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ثنا حَمَّادٌ قَالَ ثنا قُرَّةُ عَنِ الْحَسَنِ بِمِثْلِهِ. وَقَوْلُهُ (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) يَقُولُ: وَأَذَبْنَا لَهُ عَيْنَ النُّحَاسِ، وَأَجْرَيْنَاهَا لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) عَيْنَ النُّحَاسِ كَانَتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ الْيَوْمَ بِمَا أَخْرَجَ اللَّهُ لِسُلَيْمَانَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) قَالَ: الصُّفْرُ سَالَ كَمَا يَسِيلُ الْمَاءُ، يَعْمَلُ بِهِ كَمَا كَانَ يَعْمَلُ الْعَجِينُ فِي اللَّبَنِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) يَقُولُ: النُّحَاسَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) يَعْنِي: عَيْنَ النُّحَاسِ أُسِيلَتْ. وَقَوْلُهُ {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يُطِيعُهُ وَيَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ وَيَنْتَهِي لِنَهْيهِ؛ فَيَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَأْمُرُهُ طَاعَةً لَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، يَقُولُ: بِأَمْرِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَتَسْخِيرِهِ إِيَّاهُ لَهُ (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا) يَقُولُ: وَمَنْ يَزُلْ وَيَعْدِلْ مِنَ الْجِنِّ عَنْ أَمْرِنَا الَّذِي أَمَرْنَاهُ مِنْ طَاعَةِ سُلَيْمَانَ (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ عَذَابُ نَارِ جَهَنَّمَ الْمُوقَدَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَوْلُهُ (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا) أَيْ: يَعْدِلُ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا عَمَّا أَمَرَهُ بِهِ سُلَيْمَانُ (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ).
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًاوَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْمَلُ الْجِنُّ لِسُلَيْمَانَ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَهِيَ جَمْعُ مِحْرَابٍ، وَالْمِحْرَابُ: مُقَدَّمُ كُلِّ مَسْجِدٍ وَبَيْتٍ وَمُصَلَّى، وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ: كَـدُمَى الْعَـاجِ فِـي الْمَحَارِيبِ أَوْ كَالْ *** بِيـضِ فِـي الـرَّوْضِ زَهْـرُهُ مُسْتَنِيرُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) قَالَ: بُنْيَانٌ دُونَ الْقُصُورِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) وَقُصُورٍ وَمَسَاجِدَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) قَالَ: الْمَحَارِيبُ: الْمَسَاكِنُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ قَالَ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) قَالَ: الْمَحَارِيبُ: الْمَسَاجِدُ. وَقَوْلُهُ (وَتَمَاثِيلَ) يَعْنِي أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ تَمَاثِيلَ مِنْ نُحَاسٍ وَزُجَاجٍ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَتَمَاثِيلَ) قَالَ: مِنْ نُحَاسٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَتَمَاثِيلَ) قَالَ: مِنْ زُجَاجٍ وَشِبْهِهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ ثنا مَرْوَانُ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِ اللَّهِ (وَتَمَاثِيلَ) قَالَ: الصُّوَرُ. قَوْلُهُ (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) يَقُولُ: وَيَنْحِتُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ جِفَانٍ كَالْجَوَابِ، وَهِيَ جَمْعُ جَابِيَةٍ وَالْجَابِيَةُ: الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى مَيْمُونُ بْنُ قَيْسٍ: تَـرُوحُ عَـلَى نَـادِي الْمُحَـلَّقِ جَفْنَـةٌ *** كَجَابِيَـةِ الشَّـيْخِ الْعِـرَاقِيِّ تَفْهَـقُ وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ: فَصَبَّحْـتُ جَابِيَـةً صُهَارِجَـا *** كَأَنَّهَـا جِـلْدُ السَّـمَاءِ خَارِجَـا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) يَقُولُ: كَالْجَوْبَةِ مِنَ الْأَرْضِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ثني أَبِي قَالَ ثني عَمِّي قَالَ ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) يَعْنِي بِالْجَوَابِ: الْحِيَاضَ. وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) قَالَ: كَالْحِيَاضِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) قَالَ: حِيَاضُ الْإِبِلِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) قَالَ: جِفَانٌ كَجَوْبَةِ الْأَرْضِ مِنَ الْعِظَمِ، وَالْجَوْبَةُ مِنَ الْأَرْضِ: يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) كَالْحِيَاضِ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ ثنا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) قَالَ: كَحِيَاضِ الْإِبِلِ مِنَ الْعِظَمِ. وَقَوْلُهُ (وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) يَقُولُ: وَقُدُورٍ ثَابِتَاتٍ لَا يُحَرَّكْنَ عَنْ أَمَاكِنِهِنَّ، وَلَا تُحَوَّلُ لِعَظَمِهِنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) قَالَ: عِظَامٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثنا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ (وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) قَالَ: عِظَامٌ ثَابِتَاتُ الْأَرْضِ لَا يَزُلْنَ عَنْ أَمْكِنَتِهِنَّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ (وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) قَالَ: مِثَالُ الْجِبَالِ مِنْ عِظَمِهَا، يُعْمَلُ فِيهَا الطَّعَامُ مِنَ الْكِبَرِ وَالْعِظَمِ، لَا تُحَرَّكُ وَلَا تُنْقَلُ، كَمَا قَالَ لِلْجِبَالِ: رَاسِيَاتٍ. وَقَوْلُهُ (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْنَا لَهُمُ اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ يَا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي خَصَّكُمْ بِهَا عَنْ سَائِرِ خَلْقِهِ مَعَ الشُّكْرِ لَهُ عَلَى سَائِرِ نِعَمِهِ الَّتِي عَمَّكُمْ بِهَا مَعَ سَائِرِ خَلْقِهِ، وَتَرَكَ ذِكْرَ: "وَقُلْنَا لَهُمْ" اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَرَكَ مِنْهُ، وَأَخْرَجَ قَوْلَهُ (شُكْرًا) مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِهِ (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ) لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ (اعْمَلُوا) اشْكُرُوا رَبَّكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَأَنَّ الْعَمَلَ بِالَّذِي رَضِيَ اللَّهُ، لِلَّهِ شُكْرٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ ثنا مُوسَى بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَوْلَهُ (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا) قَالَ: الشُّكْرُ تَقْوَى اللَّهِ وَالْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ يَقُولُ: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا) وَأَفْضَلُ الشُّكْرِ الْحَمْدُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا) قَالَ: أَعْطَاكُمْ وَعَلَّمَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا لَمْ يُسَخِّرْ لِغَيْرِكُمْ، وَعَلَّمَكُمْ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، اشْكُرُوا لَهُ يَا آلَ دَاوُدَ قَالَ: الْحَمْدُ طَرَفٌ مِنَ الشُّكْرِ. وَقَوْلُهُ {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الْمُخْلِصُو تَوْحِيدِي وَالْمُفْرِدُو طَاعَتِي وَشُكْرِي عَلَى نِعْمَتِي عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) يَقُولُ: قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الْمُوَحِّدُونَ تَوْحِيدَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُفَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَمْضَيْنَا قَضَاءَنَا عَلَى سُلَيْمَانَ بِالْمَوْتِ فَمَاتَ (مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ) يَقُولُ: لَمْ يَدُلَّ الْجِنَّ عَلَى مَوْتِ سُلَيْمَانَ (إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) وَهِيَ الْأَرَضَةُ وَقَعَتْ فِي عَصَاهُ الَّتِي كَانَ مُتَّكِئًا عَلَيْهَا فَأَكَلَتْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ). وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى وَعَلِيٌّ قَالَا: ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) يَقُولُ: الْأَرَضَةُ تَأْكُلُ عَصَاهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) قَالَ: عَصَاهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) قَالَ: الْأَرَضَةُ (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) قَالَ: عَصَاهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) قَالَ: عَصَاهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ثنا ابْنُ عَثْمَةَ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) أَكَلَتْ عَصَاهُ حَتَّى خَرَّ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: الْمِنْسَأَةُ: الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمِنْسَأَةُ الْعَصَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (مِنْسَأَتَهُ) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ (مِنْسَاتَهُ) غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ، وَزَعَمَ مَنِ اعْتَلَّ لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ الْمِنْسَاةَ: الْعَصَا، وَأَنَّ أَصْلَهَا مِنْ نَسَأْتُ بِهَا الْغَنَمَ، قَالَ: وَهِيَ مِنَ الْهَمْزِ الَّذِي تَرَكَتْهُ الْعَرَبُ، كَمَا تَرَكُوا هَمْزَ النَّبِيِّ وَالْبَرِيَّةِ وَالْخَابِيَةِ، وَأَنْشَدَ لِتَرْكِ الْهَمْزِ فِي ذَلِكَ بَيْتًا لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ: إِذَا دَبَبْـتَ عَـلَى الْمِنْسَـاةِ مِـنْ هَـرَمٍ *** فَقَـدْ تَبَـاعَدَ عَنْـكَ اللَّهْـوُ والْغَـزَلُ وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّوَاسِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا أَبَا عَمْرٍو فَقَالَ: (مِنْسَاتَهُ) بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (مِنْسَأَتَهُ) بِالْهَمْزِ، وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا مِفْعَلَةٌ مِنْ نَسَأْتَ الْبَعِيرَ: إِذَا زَجَرْتَهُ لِيَزْدَادَ سَيْرُهُ، كَمَا يُقَالُ نَسَأْتَ اللَّبَنَ: إِذَا صَبَبْتَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَهُوَ النَّسِيءُ، وَكَمَا يُقَالُ: نَسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِكَ أَيْ أَدَامَ اللَّهُ فِي أَيَّامِ حَيَاتِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَإِنْ كُنْتُ أَخْتَارُ الْهَمْزَ فِيهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَقَوْلُهُ (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمَّا خَرَّ سُلَيْمَانُ سَاقِطًا بِانْكِسَارِ مِنْسَأَتِهِ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ (أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) الَّذِي يَدَّعُونَ عِلْمَهُ (مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) الْمُذِلِّ حَوْلًا كَامِلًا بَعْدَ مَوْتِ سُلَيْمَانَ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ سُلَيْمَانَ حَيٌّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ سُلَيْمَانُ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا صَلَّى رَأَى شَجَرَةً نَابِتَةً بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ لَهَا مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ كَذَا، فَيَقُولُ لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ فَإِنْ كَانَتْ تُغْرَسُ غُرِسَتْ، وَإِنْ كَانَ لِدَوَاءٍ كُتِبَتْ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ رَأَى شَجَرَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتْ: الْخَرُّوبُ، قَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِخَرَابِ هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: اللَّهُمَّ عَمِّ عَلَى الْجِنِّ مَوْتِي؛ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِنْسُ أَنَّ الْجِنَّ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، فَنَحَتَهَا عَصَا فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا حَوْلًا مَيِّتًا، وَالْجِنُّ تَعْمَلُ، فَأَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ، فَسَقَطَ، فَتَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ أَنَّ الْجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا حَوْلًا فِي الْعَذَابِ الْمُهِين». قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، قَالَ: فَشَكَرَتِ الْجِنُّ لِلْأَرَضَةِ فَكَانَتْ تَأْتِيهَا بِالْمَاءِ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ ثنا عَمْرٌو قَالَ ثنا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ سُلَيْمَانُ يَتَجَرَّدُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، وَالشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ، يُدْخِلُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَدَخَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمٌ يُصْبِحُ فِيهِ، إِلَّا تَنْبُتُ فِيهِ شَجَرَةٌ، فَيَسْأَلُهَا: مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ الشَّجَرَةَُ: اسْمِي كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ لَهَا: لِأَيِّ شَيْءٍ نَبَتِّ، فَتَقُولُ: نَبَتُّ لِكَذَا وَكَذَا. فَيَأْمُرُ بِهَا فَتُقْطَعُ؛ فَإِنْ كَانَتْ نَبَتَتْ لِغَرْسٍ غَرَسَهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَبَتَتْ لِدَوَاءٍ قَالَتْ: نَبَتُّ دَوَاءً لِكَذَا وَكَذَا، فَيَجْعَلُهَا كَذَلِكَ، حَتَّى نَبَتَتْ شَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا الْخَرُّوبَةُ، فَسَأَلَهَا مَا اسْمُكِ؟ فَقَالَتْ لَهُ: أَنَا الْخَرُّوبَةُ، فَقَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ نَبَتِّ، قَالَتْ: لِخَرَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُخَرِّبَهُ وَأَنَا حَيٌّ، أَنْتِ الَّتِي عَلَى وَجْهِكِ هَلَاكِي وَخَرَابُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَـزَعَهَا وَغَرَسَهَا فِي حَائِطٍ لَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمِحْرَابَ، فَقَامَ يُصَلِّي مُتَّكِئًا عَلَى عَصَاهُ، فَمَاتَ وَلَا تَعْلَمُ بِهِ الشَّيَاطِينُ فِي ذَلِكَ، وَهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ يَخَافُونَ أَنْ يَخْرُجَ فَيُعَاقِبَهُمْ، وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَجْتَمِعُ حَوْلَ الْمِحْرَابِ، وَكَانَ الْمِحْرَابُ لَهُ كُوًى بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَخْلَعَ يَقُولُ: أَلَسْتُ جِلْدًا إِنْ دَخَلْتُ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَدَخَلَ شَيْطَانٌ مِنْ أُولَئِكَ فَمَرَّ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْطَانٌ يَنْظُرُ إِلَى سُلَيْمَانَ فِي الْمِحْرَابِ إِلَّا احْتَرَقَ، فَمَرَّ وَلَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَسْمَعْ، ثُمَّ رَجَعَ فَوَقَعَ فِي الْبَيْتِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ، وَنَظَرَ إِلَى سُلَيْمَانَ قَدْ سَقَطَ فَخَرَجَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ مَاتَ، فَفَتَحُوا عَنْهُ فَأَخْرَجُوهُ وَوَجَدُوا مِنْسَأَتَهُ، وَهِيَ الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ قَدْ أَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مُنْذُ كَمْ مَاتَ، فَوَضَعُوا الْأَرَضَةَ عَلَى الْعَصَا، فَأَكَلَتْ مِنْهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ حَسَبُوا عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ، فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ سَنَةٍ". وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَمَكَثُوا يَدْأَبُونَ لَهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ حَوْلًا كَامِلًا فَأَيْقَنَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَّ كَانُوا يُكَذِّبُونَهُمْ، وَلَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا الْغَيْبَ لَعَلِمُوا بِمَوْتِ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَلْبَثُوا فِي الْعَذَابِ سَنَةً يَعْمَلُونَ لَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ {مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} يَقُولُ: تَبَيَّنَ أَمْرُهُمْ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَذِّبُونَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لِلْأَرَضَةِ: لَوْ كُنْتِ تَأْكُلِينَ الطَّعَامَ أَتَيْنَاكِ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ، وَلَوْ كُنْتِ تَشْرَبِينَ الشَّرَابَ سَقَيْنَاكِ أَطْيَبَ الشَّرَابِ، وَلَكُنَّا سَنَنْقِلُ إِلَيْكِ الْمَاءَ وَالطِّينَ، فَالَّذِي يَكُونُ فِي جَوْفِ الْخَشَبِ فَهُوَ مَا تَأْتِيهَا بِهِ الشَّيَاطِينُ شُكْرًا لَهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَتِ الْجِنُّ تُخْبِرُ الْإِنْسَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مِنَ الْغَيْبِ أَشْيَاءَ، وَأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا فِي غَدٍ، فَابْتُلُوا بِمَوْتِ سُلَيْمَانَ، فَمَاتَ فَلَبِثَ سَنَةً عَلَى عَصَاهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِمَوْتِهِ، وَهُمْ مُسَخَّرُونَ تِلْكَ السَّنَةَ يَعْمَلُونَ دَائِبِينَ {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} وَلَقَدْ لَبِثُوا يَدْأَبُونَ، وَيَعْمَلُونَ لَهُ حَوْلًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا أُمِرْتَ بِي فَأَعْلِمْنِي، قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا سُلَيْمَانُ قَدْ أُمِرْتُ بِكَ، قَدْ بَقِيَتْ لَكَ سُوَيْعَةٌ فَدَعَا الشَّيَاطِينَ فَبَنَوْا عَلَيْهِ صَرْحًا مِنْ قَوَارِيرَ، لَيْسَ لَهُ بَابٌ فَقَامَ يُصَلِّي وَاتَّكَأَ عَلَى عَصَاهُ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَبَضَ رُوحَهُ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصَاهُ، وَلَمْ يَصْنَعْ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ، قَالَ: وَالْجِنُّ تَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ حَيٌّ، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ دَابَّةَ الْأَرْضِ، قَالَ: دَابَّةٌ تَأْكُلُ الْعِيدَانَ يُقَالُ لَهَا الْقَادِحُ، فَدَخَلَتْ فِيهَا فَأَكَلَتْهَا، حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ جَوْفَ الْعَصَا، ضَعُفَتْ وَثُقَلَ عَلَيْهَا فَخَرَّ مَيِّتًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَتِ الْجِنَّ ذَلِكَ انْفَضُّوا وَذَهَبُوا، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ (مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) قَالَ: وَالْمِنْسَأَةُ: الْعَصَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ يُصَلِّي، فَمَاتَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي وَالْجِنُّ يَعْمَلُونَ لَا يَعْلَمُونَ بِمَوْتِهِ، حَتَّى أَكَلَتِ الْأَرَضَةُ عَصَاهُ فَخَرَّ وَأَنْ فِي قَوْلِهِ (أَنْ لَوْ كَانُوا) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بـ"تَبَيَّنَ"، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَ وَانْكَشَفَ، أَنْ لَوْ كَانَ الْجِنُّ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ. وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: تَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ الْجِنَّ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَكْرِيرِهَا عَلَى الْجِنِّ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنْ تَكُونَ الْجِنُّ مَنْصُوبَةً، غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ يَقْرَأُ ذَلِكَ بِنَصْبِ الْجِنِّ، وَلَوْ نَصَبَ كَانَ فِي قَوْلِهِ (تَبَيَّنَتِ) ضَمِيرٌ مِنْ ذِكْرِ الْإِنْسِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ كَانَ لِوَلَدِ سَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ عَلَامَةٌ بَيِّنَةٌ، وَحُجَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَبَّ لَهُمْ إِلَّا الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ الَّتِي كَانُوا فِيهَا. وَسَبَأٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ اسْمُ أَبِي الْيَمَنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي حَيَّانَ الْكَلْبِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ عَنْ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَأٍ مَا كَانَ؟ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، أَوْ جَبَلًا أَوْ دَوَابَّ؟ فَقَالَ: "لَا كَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ وَلَهُ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ؛ فَتَيَمَّنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَيَمَّنُوا مِنْهُمْ فَكِنْدَةُ وَحِمْيَرُ وَالْأَزْدُ وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَمَذْحِجٌ وَأَنْمَارٌ الَّذِينَ مِنْهَا خَثْعَمٌ وبَجِيلَةَ، وَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا؛ فَعَامِلَةُ وَجُذَامُ وَلَخْمٌ وَغَسَّانُ ". حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ثنا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ ثني الْحَسَنُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ ثنا أَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْقَطِيعِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَأٍ مَا هُوَ؟ أَرْضٌ أَوِ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ؛ فَتَيَامَنَ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ، وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا فَكِنْدَةُ وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَالْأَزْدُ وَمَذْحِجٌ وَحِمْيَرُ وَأَنْمَارٌ "، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أَنْمَارٌ؟ قَالَ: "الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ وَبَجِيلَةُ ". حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ثنا الْعَنْقَزِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ الْمُرَادِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ عَمِّهِ (أَسْبَاطٌ شَكَّ) قَالَ: قَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ سَبَأٍ أَجَبَلًا كَانَ أَوْ أَرْضًا؟ فَقَالَ: "لَمْ يَكُنْ جَبَلًا وَلَا أَرْضًا وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ وَلَدَ عَشَرَةَ قَبَائِلَ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " وَأَنْمَارٌ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْهُمْ بَجِيلَةُ وَخَثْعَمٌ ". فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ سَبَأً رَجُلٌ، كَانَ الْإِجْرَاءُ فِيهِ وَغَيْرُ الْإِجْرَاءِ مُعْتَدِلَيْنِ، أَمَّا الْإِجْرَاءُ فَعَلَى أَنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ، وَأَمَّا تَرْكُ الْإِجْرَاءِ فَعَلَى أَنَّهُ اسْمُ قَبِيلَةٍ أَوْ أَرْضٍ. وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (فِي مَسْكَنِهِمْ) فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ (فِي مِسِاكِنِهِمْ) عَلَى الْجِمَاعِ، بِمَعْنَى مَنَازِلِ آلِ سَبَأٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ (فِي مَسْكِنِهِمْ) عَلَى التَّوْحِيدِ، وَبِكَسْرِ الْكَافِ، وَهِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فِيمَا ذُكِرَ لِي. وَقَرَأَ حَمْزَةُ (مَسْكَنِهِمْ) عَلَى التَّوْحِيدِ وَفَتْحِ الْكَافِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ قِرَاءَاتٌ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَوْلُهُ (آيَةٌ) قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهَا قَبْلُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ) فَإِنَّهُ يَعْنِي: بُسْتَانَانِ كَانَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، عَنْ يَمِينِ مَنْ أَتَاهُمَا وَشَمَالِهِ. وَكَانَ مِنْ صِنْفِهِمَا فِيمَا ذُكِرَ لَنَا مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ قَالَ ثنا أَبُو هِلَالٍ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} قَالَ: كَانَتْ جَنَّتَانِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُخْرِجُ مِكْتَلَهَا عَلَى رَأْسِهَا فَتَمْشِي بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَيَمْتَلِئُ مِكْتَلُهَا، وَمَا مَسَّتْ بِيَدِهَا، فَلَمَّا طَغَوْا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً، يُقَالُ لَهَا "جُرَذٌ" فَنَقَبَتْ عَلَيْهِمْ فَغَرَّقَتْهُمْ، فَمَا بَقِيَ لَهُمْ إِلَّا أَثْلٌ، وَشَيْءٌ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} إِلَى قَوْلِهِ {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ يُرَى فِي قَرْيَتِهِمْ بَعُوضَةٌ قِطُّ، وَلَا ذُبَابٌ وَلَا بُرْغُوثٌ وَلَا عَقْرَبٌ وَلَا حَيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّكْبُ لَيَأْتُونَ وَفِي ثِيَابِهِمُ الْقُمَّلُ وَالدَّوَابُّ، فَمَا هُمْ إِلَّا أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَتَمُوتُ الدَّوَابُّ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَيَدْخُلُ الْجَنَّتَيْنِ، فَيُمْسِكُ الْقُفَّةَ عَلَى رَأْسِهِ فَيَخْرُجُ حِينَ يَخْرُجُ، وَقَدِ امْتَلَأَتْ تِلْكَ الْقُفَّةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا بِيَدِهِ، قَالَ: وَالسَّدُّ يَسْقِيهَا. وَرُفِعَتِ الْجَنَّتَانِ فِي قَوْلِهِ (جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ) تَرْجَمَةً عَنِ الْآيَةِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ هِيَ جَنَّتَانِ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَشَمَائِلِهِمْ. وَقَوْلُهُ (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) الَّذِي يَرْزُقُكُمْ مِنْ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ مِنْ زُرُوعِهِمَا وَأَثْمَارِهِمَا، (وَاشْكُرُوا لَهُ) عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ رِزْقِهِ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا مُنْتَهَى الْخَبَرِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرُ عَنِ الْبَلْدَةِ فَقِيلَ: هَذِهِ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ أَيْ لَيْسَتْ بِسَبْخَةٍ، وَلَكِنَّهَا كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ صِفَتِهَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنْ كَانَتْ كَمَا وَصَفَهَا بِهِ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مُؤْذٍ؛ الْهَمَجُ وَالدَّبِيبُ وَالْهَوَامُّ (وَرَبٌّ غَفُورٌ) يَقُولُ: وَرَبٌّ غَفُورٌ لِذُنُوبِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) وَرَبُّكُمْ غَفُورٌ لِذُنُوبِكُمْ، قَوْمٌ أَعْطَاهُمُ اللَّهُ نِعْمَةً، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَعْرَضَتْ سَبَأٌ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهَا وَصَدَّتْ عَنِ اتِّبَاعِ مَا دَعَتْهَا إِلَيْهِ رُسُلُهَا مِنْ أَنَّهُ خَالِقُهَا. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا سَلَمَةُ قَالَ ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ قَالَ: لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَى سَبَأٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَبِيًّا فَكَذَّبُوهُمْ (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَثَقَبْنَا عَلَيْهِمْ حِينَ أَعْرَضُوا عَنْ تَصْدِيقِ رُسُلِنَا سَدَّهُمُ الَّذِي كَانَ يَحْبِسُ عَنْهُمُ السُّيُولَ. وَالْعَرِمُ الْمُسَنَّاةُ الَّتِي تَحْبِسُ الْمَاءَ، وَاحِدُهَا عَرِمَةٌ، وَإِيَّاهُ عَنَى الْأَعْشَى بِقَوْلِهِ: فَفِـي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِـي أُسْـوَةٌ *** وَمَـأْرِبُ عَفَّـى عَلَيْـهِ الْعَـرِمْ رِجَـامٌ بَنَتْـهُ لَهُـمْ حِـمْيَرٌ *** إِذَا جَـاءَ مَـاؤُهُمُ لَـمْ يَـرِمْ وَكَانَ الْعَرِمُ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّا بَنَتْهُبِلْقِيسُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ ثني وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ ثنا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ حَكِيمٍ قَالَ: لَمَّا مَلَكَتْبِلْقِيسُ، جَعَلَ قَوْمُهَا يَقْتَتِلُونَ عَلَى مَاءِ وَادِيهِمْ، قَالَ فَجَعَلَتْ تَنْهَاهُمْ فَلَا يُطِيعُونَهَا، فَتَرَكَتْ مُلْكَهَا وَانْطَلَقَتْ إِلَى قَصْرٍ لَهَا وَتَرَكَتْهُمْ، فَلَمَّا كَثُرَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَنَدِمُوا أَتَوْهَا، فَأَرَادُوهَا عَلَى أَنْ تَرْجِعَ إِلَى مُلْكِهَا فَأَبَتْ فَقَالُوا: لَتَرْجِعِنَّ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكِ، فَقَالَتْ: إِنَّكُمْ لَا تُطِيعُونَنِي وَلَيْسَتْ لَكُمْ عُقُولٌ، وَلَا تُطِيعُونَنِي، قَالُوا: فَإِنَّا نُطِيعُكِ، وَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِينَا خَيْرًا بَعْدَكِ، فَجَاءَتْ فَأَمَرَتْ بِوَادِيهِمْ، فَسُدَّ بِالْعَرِمِ. قَالَ أَحْمَدُ قَالَ وَهْبٌ قَالَ أَبِي: فَسَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ حَكِيمٍ عَنِ الْعَرِمِ فَقَالَ: هُوَ بِكَلَامِ حِمْيَرٍ الْمُسَنَّاةُ فَسَدَّتْ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَحَبَسَتِ الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ، وَجَعَلَتْ لَهُ أَبْوَابًا بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَبَنَتْ مِنْ دُونِهِ بِرْكَةً ضَخْمَةً، فَجَعَلَتْ فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ مَخْرَجًا عَلَى عِدَّةِ أَنْهَارِهِمْ، فَلَمَّا جَاءَ الْمَطَرُ احْتَبَسَ السَّيْلُ مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ فَأَمَرَتْ بِالْبَابِ الْأَعْلَى فَفُتِحَ فَجَرَى مَاؤُهُ فِي الْبِرْكَةِ، وَأَمَرَتْ بِالْبَعْرِ فَأُلْقِيَ فِيهَا فَجَعَلَ بَعْضُ الْبَعْرِ يَخْرُجُ أَسْرَعَ مِنْ بَعْضٍ، فَلَمْ تَزَلْ تُضَيِّقُ تِلْكَ الْأَنْهَارَ، وَتُرْسِلُ الْبَعْرَ فِي الْمَاءِ حَتَّى خَرَجَ جَمِيعًا مَعًا، فَكَانَتْ تُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى كَانَ مِنْ شَأْنِهَا وَشَأْنِ سُلَيْمَانَ مَا كَانَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحِ بْنُ زُرَيْقٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ فِي قَوْلِهِ (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) قَالَ: الْمُسَنَّاةُ بِلَحْنِ الْيَمَنِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: (سَيْلَ الْعَرِمِ) قَالَ: شَدِيدٌ، وَقِيلَ: إِنَّ الْعَرِمَ اسْمُ وَادٍ كَانَ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) قَالَ: وَادٍ كَانَ بِالْيَمَنِ، كَانَ يَسِيلُ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانُوا يَسْقُونَ وَيَنْتَهِي سَيْلُهُمْ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَيْلَ الْعَرِمِ وَادٍ كَانَتْ تَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مَسَايِلُ مِنْ أَوْدِيَةٍ شَتَّى، فَعَمَدُوا فَسَدُّوا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ بِالْقِيرِ وَالْحِجَارَةِ وَجَعَلُوا عَلَيْهِ أَبْوَابًا، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ مَائِهِ مَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَيَسُدُّونَ عَنْهُمْ مَا لَمْ يَعْنُوا بِهِ مِنْ مَائِهِ شَيْئًا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) وَادٍ يُدْعَى الْعَرِمَ، وَكَانَ إِذَا مُطِرَ سَالَتْ أَوْدِيَةُ الْيَمَنِ إِلَى الْعَرِمِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْمَاءُ فَعَمَدَتْ سَبَأٌ إِلَى الْعَرِمِ فَسَدُّوا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، فَحَجَزُوهُ بِالصَّخْرِ وَالْقَارِ، فَانْسَدَّ زَمَانًا مِنَ الدَّهْرِ، لَا يَرْجُونَ الْمَاءَ، يَقُولُ: لَا يَخَافُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْعَرِمُ صِفَةٌ لِلْمُسَنَّاةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ وَلَيْسَ بِاسْمٍ لَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (سَيْلَ الْعَرِمِ) يَقُولُ: الشَّدِيدُ، وَكَانَ السَّبَبُ الَّذِي سَبَّبَ اللَّهُ لِإِرْسَالِ ذَلِكَ السَّيْلِ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي جُرَذًا ابْتَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى سَدِّهِمْ، فَثَقَبَ فِيهِ ثَقْبًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ مَا حَدَثَ عَنْ ذَلِكَ الثُّقْبِ مِمَّا كَانَ فِيهِ خَرَابُ جَنَّتَيْهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ صِفَةُ ذَلِكَ أَنَّ السَّيْلَ لَمَّا وَجَدَ عَمَلًا فِي السَّدِّ عَمِلَ فِيهِ، ثُمَّ فَاضَ الْمَاءُ عَلَى جَنَّاتِهِمْ؛ فَغَرَّقَهَا وَخَرَّبَ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ثنا سَلَمَةُ قَالَ ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ قَالَ: كَانَ لَهُمْ، يَعْنِي لِسَبَأٍ، سَدٌّ، قَدْ كَانُوا بَنَوْهُ بُنْيَانًا أَبَدًا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَرُدُّ عَنْهُمُ السَّيْلَ إِذَا جَاءَ أَنْ يَغْشَى أَمْوَالَهُمْ، وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي عِلْمِهِمْ مِنْ كَهَانَتِهِمْ، أَنَّهُ إِنَّمَا يُخَرِّبُ عَلَيْهِمْ سَدَّهُمْ ذَلِكَ فَأْرَةٌ، فَلَمْ يَتْرُكُوا فُرْجَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ إِلَّا رَبَطُوا عِنْدَهَا هِرَّةً، فَلَمَّا جَاءَ زَمَانُهُ وَمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ التَّغْرِيقِ، أَقْبَلَتْ فِيمَا يَذْكُرُونَ فَأْرَةٌ حَمْرَاءُ إِلَى هِرَّةٍ مِنْ تِلْكَ الْهِرَرِ فَسَاوَرَتْهَا، حَتَّى اسْتَأْخَرَتْ عَنْهَا أَيِ الْهِرَّةُ، فَدَخَلَتْ فِي الْفُرْجَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا، فَغَلْغَلَتْ فِي السَّدِّ فَحَفَرَتْ فِيهِ حَتَّى وَهَّنَتْهُ لِلسَّيْلِ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ، فَلَمَّا جَاءَ السَّيْلُ وَجَدَ خَلَلًا فَدَخَلَ فِيهِ حَتَّى قَلَعَ السَّدَّ وَفَاضَ عَلَى الْأَمْوَالِ فَاحْتَمَلَهَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا نَـزَلُوا عَلَى كَهَانَةِ عِمْرَانَ بْنِ عَامِرٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا تَرَكَ الْقَوْمُ أَمْرَ اللَّهِ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جُرَذًا يُسَمَّى الْخُلْدَ، فَثَقَبَهُ مِنْ أَسْفَلِهِ حَتَّى غَرَّقَ بِهِ جَنَّاتِهِمْ، وَخَرَّبَ بِهِ أَرْضَهُمْ عُقُوبَةً بِأَعْمَالِهِمْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: لَمَّا طَغَوْا وَبَغَوْا، يَعْنِي سَبَأً، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جُرَذًا فَخَرَقَ عَلَيْهِمُ السَّدَّ فَأَغْرَقَهُمُ اللَّهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ جُرَذًا وَسَلَّطَهُ عَلَى الَّذِي كَانَ يَحْبِسُ الْمَاءَ الَّذِي يَسْقِيهَا، فَأَخْرَبَ فِي أَفْوَاهِ تِلْكَ الْحِجَارَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ رَصَاصٍ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَرَكَهَا حِجَارَةً، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ سَيْلَ الْعَرِمِ، فَاقْتَلَعَ ذَلِكَ السَّدَّ وَمَا كَانَ يَحْبِسُ، وَاقْتَلَعَ تِلْكَ الْجَنَّتَيْنِ، فَذَهَبَ بِهِمَا، وَقَرَأَ {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} قَالَ: ذَهَبَ بِتِلْكَ الْقُرَى وَالْجَنَّتَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَتْ صِفَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي كَانُوا يُعَمِّرُونَ بِهِ جَنَّاتِهِمْ سَالَ إِلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، فَبِذَلِكَ خَرِبَتْ جَنَّاتُهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي عَلَى الْعَرِمِ، دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ فَثَقَبَتْ فِيهِ ثَقْبًا، فَسَالَ ذَلِكَ الْمَاءُ إِلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَأَبْدَلَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ جَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ، وَذَلِكَ حِينَ عَصَوْا، وَبَطِرُوا الْمَعِيشَةَ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، وَلَا يَكُونُ إِرْسَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِإِسَالَتِهِ عَلَيْهِمْ، أَوْ عَلَى جَنَّاتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ لَا بِصَرْفِهِ عَنْهُمْ. وَقَوْلُهُ {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَنَا لَهُمْ مَكَانَ بَسَاتِينِهِمْ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالثِّمَارِ بَسَاتِينَ مِنْ جَنَى ثَمَرِ الْأَرَاكِ، وَالْأَرَاكُ هُوَ الْخَمْطُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَبْدَلَهُمُ اللَّهُ مَكَانَ جَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ، وَالْخَمْطُ: الْأَرَاكُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) قَالَ: أَرَاهُ قَالَ: الْخَمْطُ: الْأَرَاكُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ (أُكُلٍ خَمْطٍ) قَالَ: الْخَمْطُ: الْأَرَاكُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) قَالَ: الْأَرَاكُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) وَالْخَمْطُ: الْأَرَاكُ، وَأُكُلُهُ: بَرِيرُهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} قَالَ: بَدَّلَهُمُ اللَّهُ بِجِنَانِ الْفَوَاكِهِ وَالْأَعْنَابِ، إِذْ أَصْبَحَتْ جَنَّاتُهُمْ خَمْطًا وَهُوَ الْأَرَاكُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) قَالَ: أَذْهَبَ تِلْكَ الْقُرَى وَالْجَنَّتَيْنِ، وَأَبْدَلَهُمُ الَّذِي أَخْبَرَكَ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ، قَالَ: فَالْخَمْطُ: الْأَرَاكُ، قَالَ: جَعَلَ مَكَانَ الْعِنَبِ أَرَاكًا، وَالْفَاكِهَةِ أَثْلًا وَشَيْئًا مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِتَنْوِينِ "أُكُلٍ" غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُ يُضِيفُهَا إِلَى الْخَمْطِ بِمَعْنَى ذَوَاتَيْ ثَمَرِ خَمْطٍ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُضِيفُوا ذَلِكَ إِلَى الْخَمْطِ وَيُنَوِّنُونَ الْأُكُلَ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْخَمْطَ هُوَ الْأُكُلَ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ فِي إِعْرَابِهِ. وَبِضَمِّ الْأَلِفِ وَالْكَافِ مِنَ الْأُكُلِ قَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، غَيْرَ نَافِعٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يُخَفِّفُ مِنْهَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ) بِضَمِّ الْأَلِفِ وَالْكَافِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَبِتَنْوِينِ أُكُلٍ لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ أَرَى خَطَأَ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِإِضَافَتِهِ إِلَى الْخَمْطِ، وَذَلِكَ فِي إِضَافَتِهِ وَتَرْكِ إِضَافَتِهِ، نَظِيرُ قَوْلِ الْعَرَبِ فِي بُسْتَانِ فُلَانٍ أَعْنَابُ كَرْمٍ وَأَعْنَابٌ كَرْمٍ، فَتُضِيفُ أَحْيَانًا الْأَعْنَابَ إِلَى الْكَرْمِ لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَتُنَوِّنُ أَحْيَانًا، ثُمَّ تُتَرْجِمُ بِالْكَرْمِ عَنْهَا، إِذْ كَانَتِ الْأَعْنَابُ ثَمَرَ الْكَرْمِ. وَأَمَّا الْأَثْلُ: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: الطَّرْفَاءُ، وَقِيلَ: شَجَرٌ شَبِيهٌ بِالطَّرْفَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا السَّمُرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا صَالِحٌ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَأَثْلٍ) قَالَ: الْأَثْلُ: الطَّرْفَاءُ. وَقَوْلُهُ (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) يَقُولُ: ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٌ وَشَيْءٌ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثني سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} قَالَ: بَيْنَمَا شَجَرُ الْقَوْمِ خَيْرُ الشَّجَرِ، إِذْ صَيَّرَهُ اللَّهُ مِنْ شَرِّ الشَّجَرِ بِأَعْمَالِهِمْ. وَقَوْلُهُ (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنْ سَبَأٍ مِنْ إِرْسَالِنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، حَتَّى هَلَكَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَخَرِبَتْ جَنَّاتُهُمْ، جَزَاءً مِنَّا عَلَى كُفْرِهِمْ بِنَا، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَنَا، و"ذَلِكَ" مِنْ قَوْلِهِ (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَوْقُوعِ جَزَيْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: جَزَيْنَاهُمْ ذَلِكَ بِمَا كَفَرُوا. وَقَوْلُهُ (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ؛ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ (وَهَلْ يُجَازَى) بِالْيَاءِ وَبِفَتْحِ الزَّايِ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ (إِلَّا الْكَفُورُ) رَفْعًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (وَهَلْ نُجَازِي) بِالنُّونِ وَبِكَسْرِ الزَّايِ (إِلَّا الْكَفُورَ) بِالنَّصْبِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: كَذَلِكَ كَافَأْنَاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكُفُورُ لِنِعْمَةِ اللَّهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ مَا يَجْزِي اللَّهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، فَيَخُصُّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِالْجَزَاءِ؟ فَيُقَالُ: وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكُفُورُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْمُجَازَاةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُكَافَأَةُ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَعَدَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ التَّفَضُّلَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ التَّضْعِيفِ، وَوَعَدَ الْمُسِيءَ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَجْعَلَ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ مِثْلَهَا مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى جُرْمِهِ، وَالْمُكَافَأَةُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَالْكَفْرِ، وَالْجَزَاءُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ مَعَ التَّفَضُّلِ، فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ)؟ كَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا يُجَازَى: لَا يُكَافَأُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْكَفُورُ، إِذَا كَانَتِ الْمُكَافَأَةُ مِثْلَ الْمُكَافَأِ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ شَيْئًا، وَلَا يُمَحَّصُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّهُ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ عَلَى مَا وَصَفْتُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَهَلْ نُجَازِي): نُعَاقِبُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ كَرَامَةً تَقَبَّلَ حَسَنَاتِهِ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ هَوَانًا أَمْسَكَ عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ حَتَّى يُوَافَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا «أَنَّ رَجُلًا بَيْنَمَا هُوَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، إِذْ مَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ، فَأَتْبَعَهَا بَصَرَهُ، حَتَّى أَتَى عَلَى حَائِطٍ، فَشَجَّ وَجْهَهُ، فَأَتَى نَبِيَّ اللَّهِ وَوَجْهُهُ يَسِيلُ دَمًا، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ كَرَامَةً عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ هَوَانًا أَمْسَكَ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ حَتَّى يُوافَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُ عَيْرٌ أَبْتَرُ"».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ نِعْمَتِهِ الَّتِي كَانَ أَنْعَمَهَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ: وَجَعَلْنَا بَيْنَ بَلَدِهِمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَهِيَ الشَّأْمُ، قُرًى ظَاهِرَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) قَالَ: الشَّأْمُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} يَعْنِي الشَّأْمَ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) قَالَ: الشَّأْمُ. وَقِيلَ: عُنِيَ بِالْقُرَى الَّتِي بُورِكَ فِيهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} قَالَ: الْأَرْضُ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا: هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ. وَقَوْلُهُ (قُرًى ظَاهِرَةً) يَعْنِي: قُرًى مُتَّصِلَةً، وَهِيَ قُرًى عَرَبِيَّةٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ فِي قَوْلِهِ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} قَالَ: قُرًى مُتَوَاصِلَةً، قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمْ يَغْدُو فَيَقِيلُ فِي قَرْيَةٍ وَيَرُوحُ فَيَأْوِي إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى. قَالَ: وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَضَعُ زِنْبِيلَهَا عَلَى رَأْسِهَا، ثُمَّ تَمْتَهِنُ بِمِغْزَلِهَا، فَلَا تَأْتِي بَيْتَهَا حَتَّى يَمْتَلِئَ مِنْ كُلِّ الثِّمَارِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (قُرًى ظَاهِرَةً) أَيْ: مُتَوَاصِلَةً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ (قُرًى ظَاهِرَةً) يَعْنِي: قُرًى عَرَبِيَّةً بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (قُرًى ظَاهِرَةً) قَالَ: السَّرَوَاتُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (قُرًى ظَاهِرَةً) يَعْنِي: قُرًى عَرَبِيَّةً وَهِيَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّأْمِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} قَالَ: كَانَ بَيْنَ قَرْيَتِهِمْ وَقُرَى الشَّأْمِ قُرًى ظَاهِرَةٌ، قَالَ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَخْرُجُ مَعَهَا مِغْزَلُهَا وَمِكْتَلُهَا عَلَى رَأْسِهَا، تَرُوحُ مِنْ قَرْيَةٍ وَتَغْدُوهَا، وَتَبِيتُ فِي قَرْيَةٍ لَا تَحْمِلُ زَادًا وَلَا مَاءً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّأْمِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا بَيْنَ قُرَاهُمْ وَالْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا سَيْرًا مُقَدَّرًا مِنْ مَنْزِلٍ إِلَى مَنْزِلٍ وَقَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، لَا يَنْـزِلُونَ إِلَّا فِي قَرْيَةٍ وَلَا يَغْدُونَ إِلَّا مِنْ قَرْيَةٍ. وَقَوْلُهُ {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} يَقُولُ: وَقُلْنَا لَهُمْ سِيرُوا فِي هَذِهِ الْقُرَى مَا بَيْنَ قُرَاكُمْ وَالْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ لَا تَخَافُونَ جُوعًا وَلَا عَطَشًا، وَلَا مِنْ أَحَدٍ ظُلْمًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} لَا يَخَافُونَ ظُلْمًا وَلَا جُوعًا، وَإِنَّمَا يَغْدُونَ فَيَقِيلُونَ، وَيَرُوحُونَ فَيَبِيتُونَ فِي قَرْيَةِ أَهْلِ جَنَّةٍ وَنَهْرٍ، حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَضَعُ مِكْتَلَهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَتَمْتَهِنُ بِيَدِهَا، فَيَمْتَلِئُ مِكْتَلُهَا مِنَ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْتَرِفَ شَيْئًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يُسَافِرُ لَا يَحْمِلُ مَعَهُ زَادًا وَلَا سِقَاءً مِمَّا بُسِطَ لِلْقَوْمِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ (وَأَيَّامًا آمِنِينَ) قَالَ: لَيْسَ فِيهَا خَوْفٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ بِالْأَلِفِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ (بَعِّدْ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ عَلَى الدُّعَاءِ أَيْضًا. وَذُكِرَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ (رَبُّنَا بَاعَدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ، وَحُكِيَ عَنْ آخَرَ أَنَّهُ قَرَأَهُ (رَبَّنَا بَعَّدَ) عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ الرَّبَّ مُنَادَى. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا (رَبَّنَا بَاعِدْ) وَ(بَعِّدْ) لِأَنَّهُمَا الْقِرَاءَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، وَمَا عَدَاهُمَا فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِيهِمْ، عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَيْضًا يُحَقِّقُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ، وَذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَزِيدُ الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى بُعْدًا مِنَ الصَّوَابِ. فَإِذَا كَانَ هُوَ الصَّوَابَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا؛ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّأْمِ فَلَوَاتٍ وَمَفَاوِزَ، لِنَرْكَبَ فِيهَا الرَّوَاحِلَ، وَنَتَزَوَّدَ مَعَنَا فِيهَا الْأَزْوَادَ، وَهَذَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى بَطَرِ الْقَوْمِ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ، وَجَهْلِهِمْ بِمِقْدَارِ الْعَافِيَةِ، وَلَقَدْ عَجَّلَ لَهُمْ رَبُّهُمُ الْإِجَابَةَ، كَمَا عَجَّلَ لِلْقَائِلِينَ {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أَعْطَاهُمْ مَا رَغِبُوا إِلَيْهِ فِيهِ وَطَلَبُوا مِنَ الْمَسْأَلَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَصِينٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ ثنا حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) قَالَ: كَانَتْ لَهُمْ قُرًى مُتَّصِلَةً بِالْيَمَنِ، كَانَ بَعْضُهَا يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ، فَبَطَرُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا، قَالَ: فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، وَجَعَلَ طَعَامَهُمْ أَثْلًا وَخَمْطًا وَشَيْئًا مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} قَالَ: فَإِنَّهُمْ بَطَرُوا عَيْشَهُمْ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ جَنَى جَنَّاتِنَا أَبْعَدَ مِمَّا هِيَ كَانَ أَجْدَرَ أَنْ نَشْتَهِيَهُ، فَمُزِّقُوا بَيْنَ الشَّأْمِ وَسَبَأٍ، وَبُدِّلُوا بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ، وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) بَطِرَ الْقَوْمُ نِعْمَةَ اللَّهِ وَغَمَطُوا كَرَامَةَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) حَتَّى نَبِيتَ فِي الْفَلُوَاتِ وَالصَّحَارِي (فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ). وَقَوْلُهُ (فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) وَكَانَ ظُلْمُهُمُ إِيَّاهَا عَمَلَهُمْ بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَاصِيهِ مِمَّا يُوجِبُ لَهُمْ عِقَابَ اللَّهِ (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) يَقُولُ: صَيَّرْنَاهُمْ أَحَادِيثَ لِلنَّاسِ يَضْرِبُونَ بِهِمُ الْمَثَلَ فِي السَّبِّ، فَيُقَالُ: تَفَرَّقَ الْقَوْمُ أَيَادِي سَبَا، وَأَيْدِي سَبَا إِذَا تَفَرَّقُوا وَتَقَطَّعُوا. وَقَوْلُهُ (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) يَقُولُ: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْبِلَادِ كُلَّ مُقَطَّعٍ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: أَمَّا غَسَّانُ فَقَدْ لَحِقُوا بِالشَّأْمِ، وَأَمَّا الْأَنْصَارُ فَلَحِقُوا بِيَثْرِبَ، وَأَمَّا خُزَاعَةُ فَلَحِقُوا بِتِهَامَةَ، وَأَمَّا الْأَزْدُ فَلَحِقُوا بِعُمَانَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ عَامِرٍ وَهُوَ عَمُّ الْقَوْمِ كَانَ كَاهِنًا، فَرَأَى فِي كَهَانَتِهِ أَنَّ قَوْمَهُ سَيُمَزَّقُونَ وَيَتَبَاعَدُونَ؛ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَتُمَزَّقُونَ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمٍّ بِعِيدٍ وَجَمَلٍ شَدِيدٍ وَمَزَادٍ جَدِيدٍ فَلْيَلْحَقْ بِكَأْسٍ أَوْ كَرَوْد، قَالَ: فَكَانَتْ وَادَعَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمٍّ مُدْنٍ وَأَمْرَدَ عَنٍ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِ شَنَّ فَكَانَتْ عَوْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ بَارِقٌ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ عَيْشًا آينًا وَحَرَمًا آمِنًا فَلْيَلْحَقْ بِالْأَرْزَيْنِ فَكَانَتْ خُزَاعَةُ، وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الرَّاسِيَاتِ فِي الْوَحْلِ الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمَحَلِّ فَلْيَلْحَقْ بِيَثْرِبَ ذَاتِ النَّخْلِ فَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَهُمَا هَذَانَ الْحَيَّانِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ خَمْرًا وَخَمِيرًا وَذَهَبًا وَحَرِيرًا وَمُلْكًا وَتَأْمِيرًا فَلْيَلْحَقْ بِكُوسَى وَبُصْرَى فَكَانَتْ غَسَّانُ بَنُو جَفْنَةَ مُلُوكُ الشَّأْمِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْعِرَاقِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِنَّمَا قَالَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةَطَرِيفَةُ امْرَأَةُ عِمْرَانَ بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَتْ كَاهِنَةً، فَرَأَتْ فِي كَهَانَتِهَا ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، قَالَ: فَلَمَّا تَفَرَّقُوا، نَـزَلُوا عَلَى كَهَانَةِ عِمْرَانَ بْنِ عَامِرٍ. وَقَوْلُهُ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي تَمْزِيقَنِاهِمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ لَآيَاتٌ، يَقُولُ: لَعِظَةٌ وَعِبْرَةٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى وَاجِبِ حَقِّ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ مِنَ الشُّكْرِ عَلَى نِعَمِهِ إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَحَقِّهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى مِحْنَتِهِ إِذَا امْتَحَنَهُ بِبَلَاءٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ عَلَى نِعَمِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} كَانَ مُطَرِّفٌ يَقُولُ: نِعْمَ الْعَبْدُ الصَّبَّارُ الشَّكُورُ الَّذِي إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ.
|